السبت، 17 نوفمبر 2012

مصر ..... من ثقب ابرة





على الرغم من دور الشبخ عمر مكرم فى ثورة القاهرة الثانية أثناء الحملة الفرنسية على مصر و من بعدها فى المقاومة الشعبية ضد المماليك فانه كان فى طليعة الشيوخ و العلماء الذين كتبوا للاستانة يطالبون الباب العالى باستمرار محمد على الكبير واليا على مصرحين قلق الباب العالى من نفوذ محمد على الكبير المتنامى فى مصر و ارادوا استبداله ، كما كان فى طليعة العلماء و الشيوخ الذين صعدوا الى القاعة يبايعون محمد على الكبير واليا على مصر و على الرغم من تعجب المؤرخين من تسليم قادة المقاومة الشعبية فى مصر  للسلطة الى محمد على  ، فالحقيقة ان هؤلاء العلماء و الشيوخ و الثوار كان لديهم ما يسمونه الان فى علوم الادارة الحديثة بالرؤية و الرسالة ، كان لديهم الرؤية االتى مكنتهم من اكتشاف من يصلح لقيادة مستقبل مصر فى هذه المرحلة  و كان ايمانهم برسالة التقدم و النهضة التى يرجونها لمصر أكبر من الطموح الشخصى لأى منهم .

فهل تمتع ثوار 2011 بنفس الرؤية  التى تمتع بها أسلافهم !!

هل يتمتع النظام الحاكم الآن بالرؤية اللازمة لادارة مصر فى المرحلة القادمة !!!

لا أعتقد ...

قبل الثورة كنا نعانى من الدولة الرخوة ... و كان التفكير هو الفريضة الغائبة التى نسيها المصريون ، كان النظام الحاكم يفتقد الرؤية و الهدف القومى الذى يمكن ان يتجمع حوله الناس ، بعد الثورة ما زالت الرؤية غائبة  و المشروع القومى غائم وزاد على ذلك اعتقاد النظام الحاكم ان مجرد التلويح بالانتماء للاسلام كافى لاكسابه الشرعية ، لكن الحقيقة ان هذا الانتماء ليس كافيا لكثير من الناس مثلى ، فإعلان الانتماء للتيار الاسلامى ليس صكا بالمصداقية ، و لا تفويضا على بياض ، وزاد على ذلك نظرة ضيقة جدا كأنها من ثقب ابرة لكل شئ

ينظر النظام الجديد الى مصر من ثقب ابرة فلا يرون الا جزءا صغير ا جدا من صورة كبيرة و عظيمة تحتل قلوبنا بشكل اصبح لا يؤلم فقط المصريين ، لكنه يؤلم قلوب الكثير من العرب و الأجانب اللذين يكنون الحب لمصر فى قلوبهم

تضرر الاقتصاد المصرى كثيرا فى الفترة الماضية ، الاقتصاد ينكمش ، و يعانى من مشاكل البطالة  و انكماش الدخل السياحى  و هروب رأس المال الأجنبى فمن أين تاتى الحكومة بالموارد ،  و لان من يخطط للحكومة ينظر من خرم الابره فهو لا يرى طريق لجمع المال الا الجباية التى كان يمارسها المماليك قديما ، فيخرج علينا بقانون جديد للضرائب يقل فيه الحد الأدنى للضريبة على الدخل ليطال الموظفين الذين يقل دخولهم عن الحد الأدنى للدخل الذى تطالب به الحكومة ، مع ان المنطق السليم يقول ان من يقل دخله عن الحد الأدنى – الذى وضعته الحكومة –هو الذى يجب على الحكومةأن تأخذ من نقود الضرائب لتدعمه – الدعم المباشر للمستحقين  و الذى يجب ان تنشغل الحكومة بكيفبة تطبيقه –

مصر فى ازمة طاقة لكننا لا نفكر فى ايجاد طاقة بديلة ، لدينا كل المقومات اللازمة لبدء الاعتماد على الطاقة الشمسية النظبفة و ادخالها الى شبكات الطاقة المصرية لتوفير الغاز و السولار المستخدمين ، لكنهم لا يفكرون الا فى اغلاق المحلات و اطفاء الشوارع و زيادة اسعار الطاقة على المصانع ...


تعليمات للوزارات الحكومية بتقليل الاستثمارات لترشيد الانفاق الحكومى – مع انه حسب معلوماتى الاقتصادية المتواضعة ، فان تقليل الاستثمارات لا يعنى ترشيد الانفاق ، و لكنه بعنى فعليا المساهمة فى " خنق " الاقتصاد ، و زيادة الانكماش.

جميع الخبراء الاقتصاديين يتفقون على ان الدعم يمتص الميزانية المصرية ، و يذهب معظمه الى غير المستحقين ، و اذا تم الغاءه و توجيه النصف فقط للمستحقين لوفرت الدولة مليارات تذهب الى مهربى السولار عن طريق البحر و الى تجار السوق السوداء الذين يبيعون السلع المدعومة  حتى لبن الاطفال البودرة المدعوم  الذي يذهب الى محلات الحلويات .، و لكن النظام الحالى يبقى عليه تملقا لمشاعر الفقراء .

أما أكبر المشاكل فهو العودة الى اسلوب أهل الثقة  ، الاسلوب العقيم الذى اطاح بكل انجازات ثورة يوليو، و الذى جعل كل المؤسسات الحكومية مشلولة ، لان القيادات خائفة من الاتهام باهدار المال العام ، خائفة من المحاسبة ، و فى انتظار الاقالة

و ليس فقط النظام الحاكم ممثلا فى جماعة الاخوان و حزب الحرية و العدالة هو اللذى ينظر لمصر من ثقب الابرة ، و لكن جميع من يدعون انفسهم بالنخبة و النشطاء  يفعلون نفس الشئ ، فالبعض لا يرى الا الرغبة فى الانتقام من النظام القديم ، و البعض لا يرى الا مشاكله القديمة مع وزارة الداخلية و آخرون يحقدون على العسكر و آخرون يريدون هدم كل المؤسسات القديمة – و بعدين يحلها ربنا – و آخرون يريدون عودة الاخوان الى السجون – جمعاء - ، و آخرون يريدون هدم ابوالهول – و الأهرام ان امكنا - و كل من هؤلاء له مبرراته المستندة الى رؤيته لجزء صغير جدا من الصورة .


 المشكلة الحقيقة انه على حين ينظر كل من هؤلاء من ثقب الابرة الى مايريد رؤيته فى الصورة ، غير عابئ بالملايين من المصريين الذين يعانون فى صمت من البطالة و الفقر – أو الذين كانوا يأملون ان نلتفت أخيرا الى المشاكل الحقيقة للوطن و على رأسها التعليم و الصحة ، تصطف قطع البازل معا لتشكل رؤية متكاملة للمنطقة العربية – لكنها ليست رؤيتنا –  و المصيبة اننا جميعا رأينا البروفة فى العراق ، لكن يبدوا اننا مصرين على رؤية الفيلم للآخر ..