الأحد، 3 فبراير 2013

الكرامة الانسانية


ظللت سنوات كثيرة فى مطلع شبابى احمل صورة عبد الناصر فى محفظتى لا تفارقنى ، كنت أراه بطلا اسطوريا و حلما مصريا خالصا ، حتى قرأت عن حادثة كمشيش فى مذكرات عبد الرحمن بدوى ، و عن التعذيب و انتهاك الأعراض ، و سقط البطل من مخيلتى و ان ظللت أحاول التبرير لنفسى تارة بأنه أكيد لم يكن يعلم ، أو انه كان مسجونا داخل الخوف الذى نسجه حوله صلاح نصر و جهازه  ..و لكن ظلت الحادث من اكثر ما قرأته تأثيرا على نفسي .. ما علينا ...

 الغريب ان بطلة هذه القضية التى اشرفت على مرمطة رؤوس أسرة بأكملها فى التراب و انتهاك اعراضها كانت تتحدث بالأمس فى التلفاز عن انتهاك الكرامة الانسانية امام قصر الاتحادية ..
فهل هى وحدها المصابة بانفصام الشخصية ام ان الشعب المصرى كله كذلك ...

اليس انفصاما للشخصية ان نفس الناس التى كانت تطالب باسقاط حكم العسكر كانت تخرج للمظاهرات و هى تحمل صورة عبد الناصرناسيين أو متناسيين  انه هو من بدأ حكم العسكر !!

كل القنوات التليفزيونيه تبارت فى اعادة انتهاك - نعم اعادة انتهاك - عرض الرجل المسحول ، و الغريب انهم لا يرون ما فى ذلك من أذى و قرف و انتهاك و تعويد لأعين الناس على منظر من أقسى المناظر على النفس ..

و الغريب ايضا ان نفس هذه القنوات لم يهتز لها جفن و لا اذاعت واحدة منها اى من الفيديوهات الكثيرة الموجودة على النت لضباط و عساكر تم ايضا تعريتهم و سحلهم و تشريحهم بالمطاوى فى الاقسام اثناء الثورة كما لم تقم باذاعة اى لقطات لجنود الأمن المركزى المحترقين بالمولوتوف ، و لا لمن قام الاخوان بسحلهم قبل ذلك و تعليقهم على الشجر امام الاتحادية ،ولا من كان الثوار يعتقدون انهم من بلطجية النظام و يقومون ايضا بسحلهم و تعليقهم على الشجر فى ميدان التحرير ...

مشهد عبثى لا يثير فى النفس الا القرف ..

شعب حائر بين من يتاجرون بالدين ، و من يتاجرون بالدم و القصاص  .. و أخيرا المتاجرون بالعرض ...

مع ان الكرامة الانسانية لا تتجزأ ، و حرمة الجسد الانسانى لا تتجزأ ..

و الانسان الذى يقوم بالتعذيب يهبط بنفسه و انسانيته لمرتبة ادنى من مرتبة من الحيوان ...

 لأن الحيوان لا يعذب حيوانا آخر ، و لا يغتصب حيوانا  آخر ..

و قمة السخرية أن  العساكر الذين قاموا بدور البطولة فى هذا المشهد المقرف ضحايا مثلهم مثل حمادة ، ضحايا للجهل و عدم الوعى و ظروف تشغيل غير انسانية  و مجتمع اسقط عليهم كل مشاكله فتركهم للحرق بالمولوتوف و جلس يشاهد ما يحدث على الكنبة ..

أما أشد ما يثيرالحزن فى هذه المشهد العبثى ... فهو ان حمادة ... حمادة الذى تم سحله و شاهده الملايين ملايين المرات عاريا على التلفاز ... حمادة الذي شاهدته زوجته و بناته اثناء سحله و ضربه .....ينفى سحله ...

نبكى ... ام نضحك ... ام نلطم 

ام نرفع ايدينا الى الله بالدعاء ان يرفع عنا غضبه و يلهمنا الطريق الصحيح للنجاة بمستقبلنا ...