عدنا مرة ثانيا الى خطاب أوباما ، أو عرض أوباما للمصالحة مع الدول الاسلامية ، و الذى اختار القاهرة لاعلانه .
يقول أوباما فى بداية خطابه:
"لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل "
ويقول أيضا فى الخطاب :
"وأعتقد أن أميركا تمثل التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الاجتماعية، ألا وهي تطلعات العيش في ظل السلام والأمن والحصول على التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التي نكنها لعائلاتنا ومجتمعاتنا وكذلك لربنا، هذه هي قواسمنا المشتركة وهي تمثل أيضا آمال البشرية جمعاء"
أى أن الغرض المعلن للخطاب هو بداية صفحة جديدة للعلاقات و بالمرة كما يقولون الترويج لوجه أمريكا أرض الفرص و الحريات و الوعد بالأحلام وحقوق الانسان ، الوجه الذى شوهه الشعار الذى رفعه بوش " من ليس معنا فهو ضدنا ".
ركز الخطاب على المواضيع الرئيسية التى سببت ما أسماه أوباما سوء التفاهم ، و هى بالترتيب و كما ذكرها الخطاب :
1) التطرف العنيف بكافة أشكاله..
و على الرغم من اقرار أوباما بأن التطرف ليس أصيلا فى الدين الاسلامى الا أنه أغفل حقيقة ان التطرف الاسلامى نشأ كرد فعل للتطرف الصهيونى ، فلا يمكن لوم الفلسطينيين الذين شهدوا مذابح العصابات اليهودية فى الارض المحتلة مثل دير ياسين و غيرها ، و عرفوا التشرد بين الدول العربية ، و تعرضوا للمذابح و الكراهية ، لا يمكن لومهم ، اذا ما جنح بعضهم للعنف ، و اذا كان ما يقوم به الفلسطينيون فى اللآراضى المحتلة هو عمل ارهابى ، فهل كان يجب اعتبار أبطال المقاومة الفرنسية ضد الألمان ارهابيين ؟؟؟
2) الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي..
و جدير بالملاحظة ان أوباما تفادى وصفه بالصراع أو الحرب ، قال أوباما :" أما المصدر الرئيسي الثاني للتوتر الذي أود مناقشته هو الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي." و الحقيقة ان كلمة الوضع هنا بدت غريبة جدا فى أذنى ، يشبه الأمر بأن يأتى أحد الجيران لاخبارك ان حريقا شب فى منزلك ، و فلا يستطيع سوى أن يقول ، لقد احترق طعام الغذاء اليوم .
و الجدير بالذكر ان خطاب أوباما على ما فيه من متناقضات فى هذه النقطة ، من أكثر الخطابات الأمريكية توازنا وصراحة ، فهو لم يتحدث مثلا عن صداقته مع الزعماء العرب ، أو ثقته فى حكمتهم ، و لكنه أكد على متانة العلاقة مع اسرائيل ،و على انه لن يسمح بانكار الهولوكوست، ( ويجب علينا أن نشكر الله انه لم يطلب من جميع الحاضرين التوقيع على رقم الستة مليون الشهير ﴾.
""""....إن متانة الأواصر الرابطة بين أميركا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا، وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية، وكذلك الاعتراف بأن رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخ مأساوي لا يمكن لأحد نفيه....""""
هذا الحديث بدا قاطعا ، أيها العرب لن تكونوا أبدا لأمريكا مثل اسرائيل ،لا البترول ، و لا أموالكم المحبوسة فى البنوك الأمريكية ، و لا القواعد التى انتشرت فى بلدانكم الصغيرة الصحراوية ، ما زالت اسرائيل هى المفضلة . فكفوا عن المحاولة .
3) الاهتمام المشترك بحقوق الدول ومسؤولياتها بشأن الأسلحة النووية :
مشترك مع من ؟؟؟ هذا السؤال لم تتم اجابته .
هل اسرائيل معنية ؟ بالطبع لأ .
بالطبع يقول أوباما :"ولا ينبغي على أية دولة أن تختار الدول التي تملك أسلحة نووية، وهذا هو سبب تأكيدي مجددا وبشدة على التزام أميركا بالسعي من أجل عدم امتلاك أي من الدول للأسلحة النووية،"
و بالطبع أيضا يعنى أى دولة غير أمريكا ، و لكننى بصراحة لا أعتقد ان موضوع الأسلحة النووية يمكن أن يهم مصر الآن ، نحن بعيدون جدا عن امتلاك التكنولوجيا ، و لو امتلكناها فلا يوجد ضمانات لعدم تسرب الاهمال اليها مثل أى مشروع حكومى ، و الدول المعنيه هى ايران و سوريا ، و هما أكبر دولتان يمكنهما مع مصر تشكيل قوة موازية لاسرائيل ، لكن الدول الثلاثة مع الأسف لا يمكنها التعاون ، او نسيان الخلافات التاريخية ، أو تغيير اسم شارع من أجل تكوين قوة اقليمية .
النقطة الايجابية الوحيدة هى تعبيره عن رغبته فى بداية الحوار ، وهو ما أعتقد انه بدأ بالفعل بين الأمريكان و ايران ، ولكن على استحياء .
4) الديموقراطية :
و بالطبع عند هذة النقطة لم يكن أوباما قاطعا و لا صريحا ، بل أراد ترك الباب مواربا قليلا للأنظمة الديكتاتورية الحليفة ، بل انه وصل الى التشكيك فى نوايا المعارضين
" هذه النقطة لها أهميتها لأن البعض لا ينادون بالديمقراطية إلا عندما يكونون خارج مراكز السلطة، ولا يرحمون الغير في ممارساتهم القمعية لحقوق الآخرين عند وصولهم إلى السلطة "
وهو ما قلت رأيى فيه فى المرة السابقة .
5) الحرية الدينية:
هذا أحد المواضيع الشائكة الذى حاول أوباما عبوره بسلاسة ومع هذا فقد قال :
"إن التعددية الدينية ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان أو الأقباط في مصر، ويجب إصلاح خطوط الانفصال في أوساط المسلمين كذلك لأن الانقسام بين السنة والشيعة قد أدى إلى عنف مأساوي ولا سيما في العراق"
و بالطبع فليس هناك خلط للأوراق مماثل أكثر من اعتبار وضع الأقباط فى مصر مثل الموارنة فى لبنان ، و لو كنت قبطية لأحتتجت ، أما الشائك أكثر من هذا فهى الأشياء المسكوت عنها فى الخطاب ، مثل وضع البهائيين مثلا ، و الذين كانوا موجودين فى مصر دائما ، و منهم مثلا حسين بيكار ، ومع هذا لم يحاولوا التفاخر بما يدعون انه دينهم الا هذه الأيام ، استنادا الى موضة المنظمات الحقوقية ومعظمها أمريكية والتى تساوى فى تقاريرها بين التعذيب فى السجون ، و حرية الاعتقاد الدينى ، و بين حقوق الشواذ ، والملحدين .
لماذا أقول هذا الأن ؟
لأنه تمت دعوة بسمة موسى الناطقة بلسان البهائيين فى مصر الى الخطاب ، وهو ما يعد عملا غير مقبول لأن الدعوات صدرت من مشيخة الأزهر حيث تتصدر الدعوة عبارة " يتشرف شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية بدعوة سيادتكم لحضور خطاب أوباما "، و أنا لست ضد أن يعتنق من يريد البهائية أو يعبد الشمس أو الهواء أو حتى النار لكننى ضد و صفها بالدين لأنه لا توجد سوى ثلاث ديانات فقط هى اليهودية و المسيحية و الاسلام ، و اذا أرادوا ذكر ديانتهم فى البطاقة ، فهى " بدون " ، و لا يجب أن نتعلم التفريط فى ما هو أساسى من معتقداتنا، و الا شجع هذا الآخرين على طلب المزيد ، وهو ما بدأ بعد الخطاب ، اقرأوا التالى من موقع جريدة الوفد :
" وطالبت عدة منظمات قبطية في كندا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الأوروبية الإدارة في واشنطن بالتخلي عن دور النصح والمهادنة مع النظام المصري والتحرك نحو استخدام العصا الغليظة من أجل إجبار القاهرة علي تقديم تنازلات ترضي أقباط المهجر .................................................................
ومن جانبهم طالب البهائيون الحكومة المصرية بالموافقة علي إقامة عيد قومي لهم أسوة بأوضاعهم في العديد من العواصم خاصة في آسيا. وتعتزم الطائفة التقدم بطلب خلال الفترة المقبلة للحكومة من أجل تحديد موعد للعيد وترددت معلومات عن اقتراح عدد من البهائيين بأن يرتبط ذلك العيد بتاريخ البهاء مؤسس تلك العقيدة. وشددت بسمة موسي الناطقة بلسان البهائيين في مصر علي أن مثل هذا المطلب يمثل أبسط الحقوق بالنسبة لأبناء الطائفة التي تتعرض للمزيد من الضغوط والمعاناة بسبب العقبات التي توضع لأبنائها في طريقهم"
أى اننا يجب أن نستيقظ و الا انتهينا بالاحتفال بعيد النيروز ، اما عن أقباط المهجر فقد قدحت ذهنى فى التفكير عن التنازلات التى يطلبونها فلم أجد ، ففى الواقع لا يتعرض أى قبطى فى مصر من الحكومة لأضطهاد أكثر مما أتمتع به مثلا ، و على العكس ، فبعد موضة حقوق الأقليات تعلم البعض الاستفادة من الوضع ، و التهديد بالشكوى للترقى أو الحصول على مكاسب فى العمل .
6) حقوق المرأة:
الواقع اننى لا أعرف دينا انصف المرأة مثل الاسلام ، لكن بعض الدول الاسلاميه تطرفت فى منع السيدات من حقوقهن ، و من الطبيعى أن يتفضل أوباما و يذكرنا ان الولايات المتحدة تناضل من أجل حرية المرأة المسلمة فى حين لا نفعل ، و تناضل من أجل حقها فى ارتداء الحجاب فى حين لا نفعل ، و تناضل من أجل تعليم الفتيات ، فى حين تصر بعض الدول العربية على اعتبارهم متاعا زائلا بدليل ما صرح به الأخ القذافى لا فض فوه فى ايطايا بعد يومين من خطاب أوباما اثناء زيارته لايطاليا اذ قال " وأنا هنا أنقل عن أحد المواقع الاخبارية " وصف القذافي وضع المرأة في العالمين العربي والإسلامي بـ«المروع»، قائلا انه يدعو الى الثورة الثقافية. وأضاف إنه «في العالم الإسلامي لا أعتقد أن المرأة كإنسان لها حقوق وواجبات.. بل مجرد قطعة من الأثاث ومادة يتم تغييرها حسب الرغبة، خاصة إذا كان لدى المرء المال والنفط». وأضاف «المرأة في العالم الإسلامي تعد بمنزلة إهانة، فهي لا تستطيع قيادة السيارة الا بإذن من رئيس الدولة.. ولا تملك الحق في الطلاق ولا يمكن أن تقرر بنفسها بمن تريد الزواج». "
لا أعتقد بوجود تمييز ضد المرأة فى مصر بالضبط كما لا يوجدفى مصر تمييز ضد الأقباط ، و اذا كانت بعض السيدات يتعرضن للانتهاكات فهذا عرض لأمراض اجتماعية نعانى منها فى مصر ، و يتعرض نتيجة لها بعض الرجال للتعذيب فى السجون و الأقسام ، و بعض الأطفال للمبيت فى الشوارع و أحيانا ما هوأفظع ، و أشياء أخرى ليس هذا مجال ذكرها .
7) التنمية الاقتصادية وتنمية الفرص ..
اسمحوا معى بقراءة هذه الفقرات من خطاب أوباما ..
"
أعلم أن الكثيرين يشاهدون تناقضات في مظاهر العولمة لأن شبكة الإنترنت وقنوات التلفزيون لديها قدرات لنقل المعرفة والمعلومات ولديها كذلك قدرات لبث مشاهد جنسية منفرة وفظة وعنف غير عقلاني، وباستطاعة التجارة أن تأتي بثروات وفرص جديدة ولكنها في ذات الوقت تحدث في المجتمعات اختلالات وتغييرات كبيرة. ..................................
لقد استمتع عدد كبير من دول الخليج بالثراء المتولد عن النفط، وتبدأ بعض هذه الدول الآن بالتركيز على قدر أكبر من التنمية، ولكن علينا جميعا أن ندرك أن التعليم والابتكار سيكونان مفتاحا للثروة في القرن الواحد والعشرين ............................................
إنني أؤكد على ذلك في بلدي.. كانت أميركا في الماضي تركز اهتمامها على النفط والغاز في هذا الجزء من العالم، ولكننا نسعى الآن للتعامل مع أمور تشمل أكثر من ذلك فيما يتعلق بالتعليم.. سنتوسع في برامج التبادل ونرفع من عدد المنح الدراسية مثل تلك التي أتت بوالدي إلى أميركا، وسنقوم في نفس الوقت بتشجيع عدد أكبر من الأميركيين على الدراسة في المجتمعات الإسلامية وسنوفر للطلاب المسلمين الواعدين فرصا للتدريب في أميركا، وسنستثمر في سبل التعليم الافتراضي للمعلمين والتلاميذ في جميع أنحاء العالم عبر الفضاء الإلكتروني، وسنستحدث شبكة إلكترونية جديدة لتمكين المراهقين والمراهقات في ولاية كنساس من الاتصال المباشر مع نظرائهم في القاهرة.............................. "
ماذا تستنجون من هذا الجزء ، أنا استنجت ان أمريكا تنوى خوض حرب ثقافية ضارية ، و ان مركز ابن خلدون لن يكون الوحيد من نوعه ، و أيضا وحدة الأبحاث التابعة للبحرية الأمريكية نمرو لن تكون الوحيدة ، و اننا يمكننا الاستفادة تكنولوجيا من هذا المخطط ، ويجب أن نسعى لأقصى استفادة ممكنة ، لكننا يجب أن نفتح أعيننا جيدا حتى لا ننسحق ثقافيا و دينيا ..
اما ان التعليم هو مفتاح المستقبل ، فيجب أن نفكر جيدا فى ما سنفعله للنهوض بمستوى التعليم فى مصر ، كينيدى حين سبق الروس الأمريكان الى الفضاء قال فى خطاب شهير ما معناه " لقد تأخرنا فى الطريق ، لكننا لن نبقى كذلك "
فماذا يمكننا أن نقول الآن ..
هل نخطط للبقاء فى المؤخرة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لماذا هذه الاقتباسات الكثيرة ، لماذا الحديث طويلا عن الخطاب ، لأن هذا الخطاب حين تقرأه فى ظل ما يحدث حولنا تجد به الكثير من الرسائل التى تستحق التركيز عليها ، و التى حتى لم أجد الوقت للاشارة اليها كلها فى هاتين التدوينتين الطويلتين نوعا حتى لا أضطر لعمل تدوينة ثالثة.
و لاننى فوجأت بأن معظم التعليقات التى كانت على الخطاب ، كانت اما مع أو ضد على طول الخط ، بل أن شيخ أحد الجوامع دعا لأوباما فى خطبة الجمعة لأنه رد للاسلام حقه ، و لا أعتقد أن الشيخ يعلم أن أوباما أثناء حماته الانتخابية ، و عد ضمن ما وعد باقرار حق الشواذ فى الزواج ، و اباحة الاجهاض ، مثلما وعد يايجاد طريقة لتمكين المسلمين من أداء الزكاة .
الأمر كله سياسة ، و تجميع للأصوات ، و مصالح ، لعبة يجب أن نتعلم كيف نلعبها بقواعدهم ، حتى تصبح لدينا القوة لفرض قواعدنا .
أصدق ما قاله أوباما :
" إن خوض الحروب أسهل من إنهائها، كما أن توجيه اللوم للآخرين أسهل من أن ننظر إلى ما يدور في أعماقنا، كما أن ملاحظة الجوانب التي نختلف فيها مع الآخرين أسهل من العثور على الجوانب المشتركة بيننا "
صحيح ان توجيه اللوم لأوباما للآخرين أسهل من أن ننظر إلى ما يدور في أعماقنا و أعماق بلادنا.