لماذا يتباكى الجميع ليل نهار على ضعف انتماء الجيل الجديد لمصر ، ماذا قدمنا لهم لزرع هذا الإنتماء فى نفوسهم ، ماذا تزرع الدولة فى عقولهم فى المدارس !
هذا الاسبوع تسلمت ابنتى الكبرى كتب الصف السادس ،و لاننى معتادة على القيام بدور المدرس الخصوصى فى المنزل بدأت فى تصفح الكتب ، مفاجأة ، اذا كنتم فى سنى أو أصغر قليلا فلابد أنكم درستم تاريخ مصر الحديث فى الصف السادس ، كنت أحب حصص التاريخ كثيرا ، و خاصة منهج الصف السادس ، لهذا كان كتاب ابنتى صدمة ، لماذا ! أولا تم دمج التاريخ و الجغرافيا و التربية القومية فى كتاب واحد اسمه موارد و شخصيات ، ماعلينا الاسامى لا تهم ، الكتاب مكون من 3 وحدات ، الوحدة الأولى الانسان و الموارد الطبيعية تتحدث عن الموارد الطبيعية فى العالم عموما ، الوحدة الثالثة مهمة جدا ، ويجب أن يتم التركيز عليها ، لماذا ؟ لأنها تتحدث عن السياحة فى مصر ، و طبعا واضح ان مشروع الحكومة الذي يتم التأكيد عليه فى أذهان الطلاب هو ان مصر بلد سياحى ( أين الصناعة ، و الزراعة لا أعلم)، لابد أن ينشأ الأطفال و داخلهم يقين أن هؤلاء الأجانب هم أصحاب فضل علينا أو كما يقولون مأكلينا عيش ، مع ملاحظة أن كل من لهم أبناء فى الدراسة الابتدائية يعلمون أن السياحة هى الموضوع الرئيسى فى كتب اللغة العربية و الدراسات الاجتماعية منذ الصف الرابع ، و هو ما لا ينفيه اللذين أعدوا الكتاب اذ انهم وضعوا ورقة في بداية الكتاب تقول أنهم استعانوا بكتب الصفين الرابع و الخامس ( طبعا على أساس ان التكرار يعلم الشطار ، و فى الاعادة افادة ).
ماعلينا ، نأتى الى الوحدة الثانية و هى مربط الفرس ، و تتحدث من كل تاريخ مصر عن شخصيتبن محمد على و أحمد عرابى، و بلغة ركيكة لا تشويق فيها ، و اختصار ممل تنتهى قصة محمد على مؤسس الدولة المصرية الحديثة بهزيمته بالطبع لانه نسي نفسه و حاول النهوض بمصر ، ولا يفوت المؤلف ( مع أنه أغفل الكثير من الأحداث) ، ان يذكر فى الهوامش أن محمد على نفى السيد عمر مكرم الى دمياط ( حتى يعرف الأطفال عاقبة الثورة على الحكام ) ، و تذكر بوضوح للطلاب أن ثورة عرابى انتهت بدخول الانجليز الى مصر ( لكى يعرف الطلاب نهاية التمرد – لاحظوا أن كتاب القراءة الذي لايستحق القراءة به موضوع كامل عن طاعة أولى الأمر استنادا على الآية القرآنية " يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شئ فردوه الى الله و الرسول" ) ، ويذكر الكتاب طبعا فى سطرين أن الشعب المصرى استمر فى الجهاد لاخراج الانجليز من مصر و كان من زعماءه محمد فريد ، و مصطفى كامل .
أين ما درسناه لا أعلم ، اين حفر قناة السويس ، و دليسبس ، و الخديو سعيد الذى كان يحب أكل المكرونة ، أين سعد زغلول ، دستور 23 ، دستور 36 ، أين الثورة المصرية ، و مبادئها الستة . يمكن فى الترم الثانى ، هل سيدرس الأطفال عبد الناصر فى التيرم الثانى ؟ لا أعلم و لكننى واثقة أنهم لو درسوه فسوف تكون النهاية هى نكسة 67 .
فعلا كتاب يليق بأن يحمل على غلافه صورة مبارك .
كتب اللغة العربية كارثة لا تقل عن كتب التاريخ لا يوجد بها نص أدبى واحد يمكن أن يحبب الأطفال فى القراءة أو اللغة العربية ، و على حبن تدرس ابنتى نسخة مبسطة ( simplified ) لقصة أوليفر تويست فى اللغة الانجليزية فان القصة التى تدرسها فى اللغة العربية هى قصة حياة على مبارك بقلم (محمد صلاح فرج) ، من هو محمد صلاح فرج الذي يتنافس مع تشارلز ديكنز لا أعلم ، لكننى وجدت نفسي و أنا أنظر الى القصة أتذكر عادل امام وهو يقول على مبارك و زكى جمعة ، إلا مين زكى جمعة ده ؟؟؟؟؟ و مع كل احترامي له فهو ليس نجيب محفوظ و لا عبد الرحمن الشرقاوى و لا اعلم لماذا لا يدرس الطلاب نسخ مبسطة لكبار الكتاب المصريين مثل كفاح طيبة لنجيب محفوظ أو الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي ، لماذا لا يدرسون أجزاء من رائعة أحمد شوقى ( مصرع كيلوباترا ) ، أو أي من النصوص الأخرى التى تحببهم فى اللغة العربية و تنمى قدراتهم اللغوية ،و لكن الواضح أن محمد صلاح فرج له اتجاهات سياسية متطورة ، ففى آخر الكتاب و بدون مناسبة يذكر أن على مبارك كان معتدلا و لم يناصر العرابيين اللذين انتهت حربهم باحتلال انجلترا لمصر ، مع أنه كان يتفق معهم فى المبادئ ، لكنه لم يوافق على طريقتهم ، لكنه قد فاته ذكر هذه الطريقة، ربما كان يريد أن يؤسس عرابى حزبا يموله الخديوى و يدخل به الانتخابات ضد حكومة رياض باشا مثلا ، أى مبادىء يحاولون تعميقها فى نفوس الصغار ، هل الاعتدال هو الخنوع و قبول الذل لأن الثورة تنتهى دوما بالهزيمة ، هل هذا حقا ما أريد لإبنتى أن تعتقده ، هل القعود عن نصرة عرابى اللذى وقف على حصانه فى ميدان عابدين امام الخديوى توفيق لينفى عننا جميعا المذلة و الخنوع بعبارته الشهيرة " لقد خلقنا الله أحرار ولم يخلقنا تراثا أو عقارا يورث ، فوالله الذى لا إله الا هو اننا لن نورث و لن نستعبد بعد اليوم " شرف يستحق الاشادة !!!!!!!!.
و الله العظيم حرام ، ليس هذه ما كنت أتمنى ان تدرسه ابنتى ، و أعتقد أن واضعى هذه المناهج يجب أن يحاكموا اما بتهمة الخيانة العظمى أو الحماقة العظمى.
هناك تعليقان (2):
ارجو ان لا تملي من تعليقاتي على ما تكتبيه فانا من فترة طويله كنت ابحث عن مدونه تكتب في هكذا مواضيع خصوصا مواضيع المناهج المدرسية وما يدرس لابنائنا في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأمه . للأسف بعد ما اطلعت على ما كتبتيه فإنني أنعي الى الأمه والوطن العربي وفاة جيل بأكمله ممن كانت ثقافتهم عالية وتكوينهم القومي والعروبي على أعلى مستوى . ان هذه الملاحظة لا تخص مصر المحروسة وحدها بل كل اقطار الوطن العربي. كان الله في عون اجيالنا القادمة مما هو قادم.
مع كل الاحترام والتقدير لك وما تكتبين
رضوان
طبعا أنا مش ممكن أمل من تعليقاتك بالعكس أنا مبسوطة ان فيه حد فعلا بيقرأ اللى أنا بأكتبه و ممكن كمان يكون موافق عليه ، موضوع التعليم ده بالذات أكتر حاجة مضايقانى ، لأنى حاسه ان المناهج زى متكون متخططة علشان تكره الأولاد فى العربى و تنسيهم التاريخ و تزود انبهاراهم بأمريكا ،أما المدرسين بأه فدول حكايه لأن عدد كبير منهم فعلا غير مؤهل للتعامل مع الأطفال ، و المشكلة ان الأطفال هم المستقبل فلازم يكون فيه طريقة لاصلاح التعليم علشان يبقى فيه مستقبل.
إرسال تعليق