نمر فى مصر بأحداث كثيرة و متلاحقة يوميا الى الدرجة الى تجعلنا لا نتوقف كثيرا عند أحداث مهمة تستحق حقا أن تتوقف من أجلها الحياة قليلا ، و مع هذا فقد تباطأت عجلة الحياة حتى كادت أن تتوقف فى القاهرة الخميس الماضى من أجل زيارة أوباما .
فهل كان الامر يستحق ؟
هل بالغنا قليلا فى الاهتمام بأوباما ؟؟؟
ما الذى أعطى لخطاب أوباما كل هذه الأهمية ؟؟؟؟
هل كان اعلان أوباما لوسائل الاعلام انه سيخاطب الشعوب الاسلامية من القاهرة هو السبب ، فجأة وجدنا أخيرا وسط الانهيار السياسي الذى نعيشه فرصة للعودة الى صدارة العالم الاسلامى بعد مأساة غزة ، لماذا لم يخاطب العالم الاسلامى من المملكة السعودية و قد مر بها قبل القاهرة ؟؟؟
جاء أوباما ، و مضى ، و بقى أن نحلل الزيارة ، ونقرأ الخطاب الذى ألقاه ، لنعرف هل كان الأمر فعلا يستحق ،و فى رأيى أن قراءة خطاب أوباما لا يمكن أن تتم منفصلة عن قراءة ما يحدث فى مصر الأن .
سمعت فى أحد البرامج الاخبارية ، ان أوباما أجاد اختيار الوقت الذى يلقى فيه خطاب المصالحة مع الشعوب الاسلامية ، لكنه أخطأ اختيار المكان ، لأنه اختار أن يخاطب العالم الاسلامى من القاهرة و التى يحكمها نظام قمعى مستبد ﴿ هذا ليس كلامى لكنه كلام المحطة الاخبارية ﴾ .
فى رأيى أن أوباما لم يخطىء فى اختيار المكان ، كما لم يخطئ فى اختيار الزمان .
أما الزمان ...
فماذا أقول ....
نعيب زماننا و العيب فينا ... و ما لزماننا عيب سوانا ..
أما المكان ..
لطالما أرادت أمريكا تقديم نفسها على أنها القائمة بدور شرطى العالم الذى يرفع راية الحرية و الديممقراطية فى العالم و يسوق ﴿ كما تساق الأغنام ﴾ الدول للتغيير ، أما أوباما ، فهو يقوم بجولة ترويجية لأمريكا جديدة تحترم حق الدول فى اختيار من يمثلها ، صحيح انه يطالب أن يكون هذا عن طريق انتخابات نزيهة ، لكن من يقول ان الاستفتاءات التى جاءت بمبارك الى الحكم لم تكن نزيهة ؟؟؟
و أمريكا قد تعلمت أن الديمقراطية قد تأتى أحيانا بمن لا تريد الى الحكم ، تعلم الأمريكان هذا الدرس من حماس و من نتائج الانتخابات التى اتت بالنواب الاخوان الى مجلس الشعب المصرى ، لهذا اصبحوا يفضلون غض الطرف عما يفعله الحكام فى دولهم ما داموا يخدمون أغراض السياسة الأمريكية .
أى مكان أفضل لأوباما ليؤكد مثل هذه الرسالة من مصر !!!
جاء أوباما الى القاهرة لساعات قليلة بدعوة كما قال من الأزهر الشريف منارة العلم الاسلامى و جامعة القاهرة منارة الحرية فى مصر ..
جاء أوباما و الأزهر العريق يأن من المشاكل و من عدم احترام الناس له لأنهم يرونه تابع للحكومة ، حتى حين أصدر الأزهر بيانه الذى يكاد يبكى فيه وهو يطلب من مبارك عدم عرض دكان شحاتة الذى تتبادل فيه هيفاء الغرام داخل الجسين و تسب بالمذاهب الثلاثة ، لم يلتفت له لا النظام و لا الناس ، فالناس لا تتوقف من أجل أحداث يهتز لها عرش الرحمن كما قلت فى البداية ، و بالطبع لم يتم منع هيفاء من دخول مصر كما منعوا عمرو خالد .
أى ان أوباما قدم الى مصر ليخاطب العالم الاسلامى من مصر المحروسة التى يحكمها نظام علمانى يدع أنه يحكم تحت الحكم الاسلامى لكنه فى الواقع لا يحفل و لا يهتز جفنه و لو لثانية واحدة من أجل أى من المقدسات الدينية .
لم يخطئ أوباما فى اختيار المكان اذا .. فماذا عن الخطاب نفسه ؟؟؟
الخطاب تمت كتابته بلغة متوازنة جدا تدعو للاعجاب ، و استشهد فيه اوباما بالقرآن الكريم أكثر من مر ة﴿ ذاكر أوباما جيدا دروسه ﴾ ، و مع أنه حاول اللعب أحيانا على وتر العواطف الا انه ركز على المصالح المشتركة ، و هى الحقيقة التى يهتم بها الأمريكان ،
أما عن المسائل الرئيسية التى تحدث فيها أوباما ،
فلنبدأ بالتوتر الذي زرعه الاستعمار و الحرب الباردة و المتطرفون الذين خططوا و نفذوا أحداث سبتمبر و جرحوا المشاعر الأمريكية الرهيفة ،
قال أوباما :" إنني إذن تعرفت على الإسلام في قارات ثلاث قبل مجيئي إلى المنطقة التي نشأ فيها الإسلام، ومن منطلق تجربتي الشخصية أستمد اعتقادي بأن الشراكة بين أميركا والإسلام يجب أن تستند إلى حقيقة الإسلام وليس إلى ما هو غير إسلامي، وأرى في ذلك جزءا من مسؤوليتي كرئيس للولايات المتحدة حتى أتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت "
السؤال الذى قفز الى ذهنى مباشرة و أنا أسمع هذه العبارات ، ثم و أنا أقرأها ، و من سيحدد حقيقة الاسلام ؟؟ ومن سيحدد تعريف المتطرف ؟؟؟
أعتقد أنا مثلا اعتقادا جازما ان الحجاب فرض ، و ان النقاب فضيلة لكنه ليس فرضا ، و ان عمل المرأة حلال حتى و لو لم تكن محتاجة ماديا ،و ان الأصل فى الزواج هو وجود زوجة واحدة ، و ان التعدد رخصة ، و أن الشيعة مثل السنة منهم المتطرفون و منهم من هم مثلنا مسلمين لكنهم فقط يعتنقون مذهب مختلف، وكل المسلم على المسلم حرام .
و يعتقد البعض ان النقاب فرض ، و الن المرأة يجب ألا تخرج من بيتها الا للزواج أو الموت ، و أن التعدد هو الأصل ،و ان الشيعة كفرة لا يحل الدعاء لهم.ولا يوجد وجه نسائي واحد فى النظام يرتدى الحجاب ، و تمنع تونس الزواج الثانى و تجرمه .و بين هذا و ذاك أطياف من التفسيرات ،فهل سيحدد لنا أوباما أخير ما هى حقيقة الاسلام ؟؟؟
و يقول أوباما أيضا " أن أميركا والإسلام لا تعارضان بعضها البعض، ولا داعي أبدا للتنافس فيما بينهما، بل إن لهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان "
لكنه لم يذكر أن كان سيحقق العدالة للعراقيين الذين تعذبوا و أهينوا و أنسحقت كرامتهم فى سجون العراق ؟؟؟؟
و تحدث أوباما عن أفغانستان و العراق و التنمية و الشراكة ، دون أن يذكر ما استفادته الشركات الامريكية من هذه الحروب .
الموضوع الثانى الذى تحدث فيه أوباما هو اليهود و المحرقة و الفلسطينيين ،المصدر الرئيسى للتوتر فى المنطقة كما قال ، حاول أوباما تبنى خطاب متوازن قدر استطاعته ، و كان صريحا وهو يؤكد انه لن يقبل من يريد أن يلقى باسرائيل الى البحر " اطمـأن ... من يستطيع الآن أن يقول هذا يا سيدى العزيز !!! "
و قال ضمن ما قال :
" كما يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف.. إن المقاومة عبر العنف والقتل أسلوب خاطئ ولا يؤدي إلى النجاح.............. وينطوي هذا التاريخ على حقيقة بسيطة ألا وهي أن طريق العنف طريق مسدود وأن إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين في مضاجعهم أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات لا يعبر عن الشجاعة أو عن القوة "
صحيح انه تحدث عن ايقاف المستوطنات ، ولكنه لم يتحدث عن أطفال غزة ، أو عن استخدام اسرائيل للأسلحة المحرمة دوليا ؟
ربما أراد أوباما استدرار العطف على اليهود بذكر المحرقة و الأطفال ؟؟
ربما أراد أيضا مخاطبة اسرائيل بالمرة مع مخاطبة العالم الاسلامى ، يعنى عصفورين بحجر واحد ؟؟؟؟
مع ملاحظة أن الصحفيين الذين أختيروا لمقابلة أوباما بعد الخطاب و طرح أسئلتهم عليه كان منهم صحفى يهودى وهو ما دفع بالصحفى القدير فهمى هويدى الى الانسحاب .
و للحديث بقية ....
هناك 5 تعليقات:
سيدتي المحترمة " أم مصرية "
الحقيقة وبدون مجاملات ، ان ما قرأته في مقالك " يحدث في مصر الآن 1 " ابلغ واصدق مقال -او تحليل سمه ما شئت - من كل ما كتب او قيل في وسائل الإعلام المتنوعة والمتعددة الإتجاهات.
وأؤيد ما قلتيه عن المحرقة ضد اليهود، حيث ان أوباما كان أول شيء عمله بعدما غادر القاهرة وحل في المانيا، هو زيارة إحدى معسكرات الإعتقال التي يقال بأن النازي كان يضع اليهود فيها ويوجد على الانترنت صفحات مليئة بصوره وهو يضع زهورا على النصب التذكاري للمحرقة وايضا وهو يحتضن احد الناجين اليهود من المحرقة ، يعني باختصار : ان أوبا كان كمن لحس كلامه لما قاله في القاهرة وطلع لسانه لنا جميعا في العالم الإسلامي والوطن العربي.
وأخيرا لقد كنت محقة في قولك " من يجرؤ الآن على أن يقول سنرمي اليهود في البحر" فنحن من الضعف وقلة الحيلة حتى اصبحنا لا نقدر على أن النقد والاستنكار والشجب . رحم الله رجالا عربا ومسلمين كانت لهم مواقف من اقوال وافعال ايام كانت لدينا عزة وكرامة.
مع التحية
رضوان
أولا ..شكرا على المجاملة
ثانيا :
نعم لا يوجد الآن من يجرؤ على التفكير فى رمى اسرائيل فى البحر ، و الواقع ان أوباما لم يتراجع عما قاله فى القاهرة ، نحن الذين يجب أن نستذكر دروسنا ، و نحلل جيدا كل ما قيل ، وهذا ما أحاول فعله ، لاننى أرى أن هذا الخطاب تمت كتابته بدقة ، و ذكاء ليحمل رسائل معينة ، و نحن أيضا يجب أن نحلله بدق قبل أن نقرر ما الذى نريد قبوله أو رفضه فيه.
السلام عليكم
ازيك يا باشمهندسة بقالي كتير مجتش هنا لكن الحمد لله أنك مقلة في تدويناتك والا كان فاتني الكثير جدا
أوباما أخذ مني تدوينتين ولسه
لكن في تحليلك نقطة ذكية جداأتفق معك تماما فيها وهي غض الطرف عن الحكومات الديكتاتورية طالما تحقق مصالح أمريكا وهذا ما يحدث بالفعل
فليست دائما الديمقراطية في صالحها
أما اختلافي معك في بعض النقاط ساؤجلها لمرة قادمة قريبة إن شاء الله
السيدة المحترمة جدا أم مصرية
اضافة الى تعليقك الذي تقولين فيه:
" أن هذا الخطاب تمت كتابته بدقة ، و ذكاء ليحمل رسائل معينة ، و نحن أيضا يجب أن نحلله بدقة قبل أن نقرر ما الذى نريد قبوله أو رفضه فيه."
وقد قرأت خبرا في جريدة الخليج الإماراتية صباح اليوم جاء فيه ما يلي:
"....في هذه الأجواء، يبدأ الموفد الأمريكي الى الشرق الأوسط جورج ميتشل جولة في المنطقة هذا الأسبوع لبحث سبل إحياء مفاوضات التسوية وإمكان تطبيع العلاقات تدريجياً بين الدول العربية و”إسرائيل”. ويبحث وزراء الخارجية العرب في 17 الحالي جهود إحياء التسوية وبلورة الموقف العربي في المرحلة المقبلة في ضوء ما ورد في خطاب اوباما الاخير".
بالله عليك هل هؤلاء الذين سيجتمعون درسوا فعلا بتعمق مقال اوباما او حتى فهموا ما يخبئه من مصائد وخدع. لا ادري اردت فقط ان ابين انه لا احد من مسؤولينا صغيرا ام كبيرا كان مهتم بقراءة ما وراء الخطاب ولماذا يتعبوا انفسهم فالموضوع جائهم على الجاهز وكما قلت في مقالك وكذلك ما ورد في تعليق الأخت مجداوية وهو :
" غض الطرف عن الحكومات الديكتاتورية طالما تحقق مصالح أمريكا وهذا ما يحدث بالفعل".
يعني قبضوا الثمن مقدما وحسبي الله ونعم الوكيل.
مع التحية
رضوان
مجداوية العزيزة ..
قرات التدوينتين الخاصتين بأوباما عندك ، و سأجعل تعليقى أيضا بعد أن أجد الوقت لاكمال تعليقى على الخطاب ، أنا مقلة فى التعليق و فى التدوين بسبب الوقت .
الأخ العزيز رضوان ..
الدول العربية بدأت خطوات واسعة فى طريق التطبيع ، و الله معنا .
إرسال تعليق